أسوء النصائح و الِانتقادات التي تلقيتها من الكوريين

في العادة، أنا شخص عنيد جدا، يمكن أن يكون سبب ذلك الطريقة التي نشأت بها، من ناحية، لكن من ناحية أخرى يمكن أن يكون ذلك بسبب عدم ثقتي بالناس نتيجة النصائح الكثيرة السيئة التي تلقيتها منهم لعدة سنوات، لدرجة أنني اشتبهت في كون بعضهم تحت تأثير الكحول.

بصفتي شخص كوري- أمريكي في أواخر العشرينيات، فقد حضيت بحصتي من المشورات السيئة من قبل أفراد الأسرة، الأقارب، و عدد من الكوريين الذين قابلتهم خلال عيشي في كوريا.

بعد تجربة ليست ببعيدة، مع نصيحة رهيبة مخيبة للآمال، بدأت أفكر في الأمر بجدية و أدركت أنه “ لا يجدر بي الاِستماع إلى أي نصائح أو اِقتراحات من الناس إلى حين عودتي إلى الولايات المتحدة، لكن، و بشكل غريب، وجدت نفسي أمر بعدد لا يطاق من النصائح السيئة و الاِنتقادات من قبل الكوريين” .

النقطة التي أودّ أن أوضحها هي، على الرغم من أنه تمّ تصنيفي بقسوة، فإن الكوريين يعيشون على مبادئ ذات معايير ثابتة، و لهذا السبب – باعتباري شخصا ذو عائلة كورية كبيرة و العديد من المعارف الكوريين – توجب علي التعامل مع أكثر النصائح و الإنتقادات فضاعة إلى حد الآن.

مثلا، عندما نتطرق إلى مواضيع مثل الـ V-Line بالنسبة للوجه (الوجه يأخذ شكل حرف V، يعتبر من أجمل الأشكال لدى الكوريين كما تعودنا أن نرى الحركات التي تدل على تصرف لطيف) أو الـ  S- Line   بالنسبة للجسم ( الجسم يأخذ منحى الحرف S ) فإن هذه المفاهيم تشكل محل سخرية لغير الكوريين، إذا كانت المرأة تفتقر إلى أحد هذه المعايير، سيتم تصنيفها كشخص “به عيب” ما طبقا لما هو متداول في كوريا.

 

Source: bubzbeauty (Youtube channel)

 

إن الأمر لا يتعلق فقط بالمظاهر، عندما يتم سؤال الكوريين عن بلدان أخرى، فإن المراهقين و كبار السن على حد سواء ينتهزون الفرصة للتباهي أو للتصريح بأشياء طيبة عن بلدهم، بغض النظر عن مدى سوء انتقادهم له.

يظهر ذلك أيضا في الحياة اليومية، فمرة خلال عشاء للشركة في وظيفتي السابقة، قام المشرف بإعطاء أحد الزملاء محاضرة مطولة عن موضوع كان في نظره غير قابل للفهم أبدا، و لو بعد مليون سنة من الآن، يا له من موقف غبي.

 

في صغري، عائلتي كانت الوحيدة التي هاجرت إلى الولايات المتحدة. لهذا السبب تحديدا لم أملك أي شخص لأشاركه نمط الحياة ”الكوري-الأمريكي” بحذافيره. عندما أقول ” بحذافيره ” أقصد شخصا، في سن مبكرة، كان قادرا على تجربة نمط حياة أجنبي. بالتالي، كان والداي ببساطة كوريين هاجروا إلى الولايات المتحدة. فضلا عن ذلك، عندما نأخذ بعين الاعتبار أن لدي العديد من الأقارب الكوريين، فأنا ببساطة من الجيل الكوري- الأمريكي أخوض حربا ضد مجموعة من أفراد العائلة يفوق عددهم الثلاثين شخصا، من بينهم والداي. في نظرهم، أنا شخص لا يوافق معاييرهم و يحتاج إلى “إصلاح“. بعبارة أخرى، لديهم ما يقولونه بشأن أي شيء أقوم بفعله.

آسف على الإطالة ! على أي حال، العيش مع أشخاص محبين لـ ” المعايير الثابتة ” مكنني من الحصول على نصائح و إنتقادات غريبة و أحيانا لا تصدق على مدى عشرين عاما. في ما يلي، بعض من تلك النصائح و الإنتقادات.

 

1- عندما يكون جسمك باردا، عليك بتناول حساء قرون الأيل

 

 

أنا شخص يحب ألعاب الفديو كثيرا. بدأ اهتمامي بألعاب الفديو عندما ابتاع لي والدي وحدة  ” Super Nintendo ” مع لعبة الفديو ” Donkey Kong Country ” ( لعبة مشهورة في اليابان في نهاية التسعينات)، كنت حينها بعمر الخامسة. لكن، لاحظت عدة مرات أن اللعب لمدة طويلة كان يجعل يداي باردتين. في الواقع، يداي تتجمدان الآن عند قيامي بكتابة هذا المقال. سابقا عندما اعتدت العيش في كوريا لوقت قصير، اِعتادت جدتي ( من جانب أبي) على الاهتمام بي بينما يكون والداي في العمل. عندما كانت يداي تبردان جراء اللعب في غرفة المعيشة كنت أشكو ذلك إلى جدتي باستمرار. كانت ترد قائلة “ يا أيه الأبله، إذا كانت يداك باردتين على الدوام، جرّب حساء قرون الأيل، إذا أكلته، لن تبرد يداك أبدا.”

كوني طفلا صغير يخاف حتى من تناول الكيمتشي ( مخلل الملفوف الكوري الحار)، كيف يمكن لي حتى تقبل تناول قرون الأيل؟ حاليا، عندما أود القيام بأي شيء كان، فذلك يسبب لي برودة في يداي و قدماي. بدافع الفضول، قررت تجربة ” قرون الأيل” هذه و سألت عدة أشخاص عن مكان توفرها. كل منهم رمقني بنظرة ” يا للهول ” و قال لي ” لم أسمع بشيء كهذا مطلقا “. الآن علمت أنه علاج صيني تقليدي، لكني في الواقع كنت لِآخذ حماما ساخنا عوضا عن ذلك.

 

2-إذا كنت تشكو من آلام في العظام أو المفاصل، “إذهب لرؤية مقوّم عظام ” بدلا من ” الذهاب إلى المستشفى”

السنة الماضية، عندما كنت أتناول هوت دوغ فتحت فمي بشكل واسع جدا، و تحرك فكي من مكانه. لقد تعرضت لمواقف مشابهة عندما كنت في أمريكا أيضا، لكن بعد مدة قصيرة كان فكي يعود إلى مكانه من تلقاء نفسه. مع ذلك، و بعد مرور فترة طويلة كنت لا أزال أشعر بعدم الراحة حيال فكي. في أحد الأيام أخبرت والدي أنني قد أحتاج الذهاب إلى المستشفى، لكن والدي عارض بشدة و قال ” لماذا بحق السماء قد تذهب إلى المستشفى؟ توقف عن هدر المال و اذهب إلى مقوّم عظام. سيقوم بإرجاع فكك إلى مكانه سريعا و أرخص من المستشفى “. في البداية، لم أدرك حتى ما هي النسخة الكورية لـ ” مقوم العظام ” أو ” جيوب-كول-وون” (الكيروبراكتيك أو الإرجاع الموضعي للفقرات أحد فروع الطب البديل و يعتمد على علاج العمود الفقي، بما في ذلك العظام و الفقرات، يدويا دون اللجوء إلى جراحة أو أدوية). الكوريون أنفسهم كانوا يصابون بالدهشة إذا سألتهم عن ذلك. إلى من لا يعرف ذلك، الـ ” جيوب-كول-وون” هو مقوم عظام في كل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، مكان تعالج فيه عظامك و مفاصلك.

على الرغم من ذلك، هذا الـ ” جيوب-كول-وون” كان شائعا في أواخر عام 1990، بدؤوا ينقرضون ببطئ و حل محلّهم المستشفيات و العيادات الأخرى. بعدما قمت بالبحث، تمكنت من إيجاد أحد قرب محطة دونغ إنشيون. إلا أن مظهر المكان من الخارج كان …

 

 

 

قصدت المكان حوالي شهر فبراير، و كان المكان من الداخل شبيها بجوّ ” فينج شوي” الصيني ( فلسفة صينية تقتضي التناغم مع البيئة المحيطة و التصالح مع النفس تقوم على فكرة إنبعاث الطاقة و امتصاصها ضمن تسعة محاور رئيسية ) إضافة إلى جهاز تنفس يبدو مثل شيء كنت قد رأيته في لعبة ” Resident Evil “. الشخص الذي عالجني كان ودودا للغاية، لكن في رأيي فإن دفع 30,000 وون كوري مقابل تدليك قوي لم يكن يستحق كل هذا العناء. أحيانا أتساءل، في أي عالم يعيش والدي.

 

3- لا يمكنك المشي بهذه الطريقة في كوريا، ستعلمك العمة كيفية المشي بشكل صحيح

رأيت الكثير من الأشياء الغبية في كوريا. مثلا، تدليك أنفك لمدة عشر دقائق يوميا سيجعله أنحف، ضرورة تثبيت وصلات تحميل غبية على هاتفك للتسجيل في شيء على الانترنت، إلخ … هذه لحظات من الخيبة مرة أخرى. و مع ذلك، فإن القصة التالية التي أنا على وشك سردها لكم هي شيء لم أتصور مطلقا إمكانية حدوثه. قبل عدة سنوات، كنت أمشي بمحاذاة قناة تشونغ- كيي-تشون في سيول رفقة قريبي الصغير و عمتي. بينما كنت أسير، أوقفتني عمتي فجأة و قالت “ لما تمشي بشكل غريب؟ يجب أن تمشي بشكل لائق من الآن فصاعدا“. سبقتني بخطوات إلى الأمام و راحت توضح لي الطريقة الصحيحة للمشي.

على ما يبدو، فإن الطريقة ” الصحيحة ” للمشي هي بأن تجعل ساقك مستقيمة تماما و أن ترفع مقدمة قدمك بـ 40 درجة و ترفع كعب قدمك الأخرى بـ 40 درجة كذلك. بإيجاز ، فعمتي قامت بانتقاد مشيتي قائلة أني أمشي مثل ” أجنبي “. هل أنا شخص غريب لمجرد أني لا أطابق معاييركم؟ ما الأمر بشأن المشي كـ ” أجنبي” ؟

 

4- عندما تأكل في مطعم للفائف الخس، يجب أن تلف كل شيء في أوراق الخس

أجل أعلم أنكم تقصدون مطعم لفائف الخس لتتناولوا لفائف الخس. لكن لكل شخص طريقته في تناول الطعام، و أعتقد قطعا أنه لا ينبغي لأحد أن يملي عليك كيفية تناول طعامك. في وقت مضى قصدت برفقة زملاء من العمل مطعم للفائف الخس في غيسان-دونغ بإنتشون.

 

Source: Kill Me, Heal Me

في وقت مضى قصدت برفقة زملاء من العمل مطعم للفائف الخس في غيسان-دونغ بـ إنتشون. عندما وصل الطعام، تناولت قطعة لحم على الفور، ملعقة أرز، و قطعة من الخس. شاهد المشرف هذا و قال لي “ ألا تعرف كيف تُأكل لفائف الخس؟ يجب أن تلفّ كل شيء و تأكله هكذا“، بينما وضّح ذلك لي. لم أتمكن من قول شيء بسبب هراء ” إحترام كبار السن “، لكن أن يتم تدريسي عن كيفية أكل شيء ما … تبا، فقط دعني آكل كما أريد !

 

5- إذا كنت لا تستطيع تحدث الكورية بطلاقة، فقط دعنا نتحدث بالإنجليزية

من بين كل الإنتقادات التي ذكرتها إلى الآن، هذا أكثر واحد يغضبني. ذهبت إلى غانغنام لتناول الغداء مع بعض طلبة التبادل الكوريين الذين تعرفت عليهم في الولايات المتحدة. عندما جلسنا، قال لي أحد أصدقائي ” دونغ، بما أنك لست جيدا في الكورية، سوف نتكلم بالإنجليزية من أجلك“. أعني، أنا أعلم أن لغتي الكورية ليست بمستوى متحدث أصلي، لكني جيد بما فيه الكفاية لأحصل على درجة عالية في مستوى متقدم من إمتحان الـ TOPIK ( إمتحان يحدد المستوى في اللغة الكورية، كإمتحان الـ TOEFL في اللغة الإنجليزية أو الـ DALF في اللغة الفرنسة .. ). على أقل تقدير، إنه أفضل من مستوى أصدقائي في اللغة الإنجليزية. لن أطلق على ذلك حتى تبادلا لغويا، لم أعلم ما الهدف من التحدث بلغة غير مريحة للعديد من الأشخاص الموجودين حولنا رغم إمكانية التحدث بالكورية. إضافة إلى شعوري بالإحباط نتيجة إنتظارهم حتى يكملوا جملهم أو يوضحوا وجهة نظرهم بعد المرور على عدة نقاط.

بالنسبة للكوريين، إذا كنت تواجه مشكلة صغيرة في التحدث بالكورية فذلك يعني أنه لا يمكنك تحدثها على الإطلاق. يومها، بالأحرى لم أكن لأتناول غداء مثل ذلك.

 

Source: The hungry food tech (blog)

لم أكن لأنكر إحتمال وجود خطب ما بوالديّ، أقاربي، و معارفي. على رغم أني في كثير من الأحيان ألاحظ أشخاصا يقدمون النصائح و النقد في كوريا. لا أدري ما إذا كان ذلك بسبب أن كوريا تعيش على معايير حياتية ثابتة، الكورييون عنيدون بالفطرة، أو لسبب مختلف كليا. في الختام، كانت هناك أوقات تلقيت فيها مشورات و اِنتقادات جيدة من الكوريين، لكن في معظم الأحيان لم تكن سوى نصائح و اِنتقادات رهيبة.

 

المصدر: مدونة omonang.com

مقال بواسطة DON

 

Exit mobile version